سورة التوبة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


قوله تعالى: {قل إن كان آباؤكم...} الآية في سبب نزولها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها نزلت في الذين تخلَّفوا مع عيالهم بمكة ولم يهاجروا، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أن علي بن أبي طالب قدم مكة، فقال لقوم: ألا تهاجرون؟ فقالوا: نقيم مع إخواننا وعشائرنا ومساكننا، فنزلت هذه الآية، قاله ابن سيرين.
والثالث: أنه لما نزلت الآية التي قبلها، قالوا: يا رسول الله، إن نحن اعتزلنا مَنْ خالفنا في الدين، قطعنا آباءنا وعشيرتنا، وذهبت تجارتنا، وخربت ديارنا، فنزلت هذه الآية، ذكره بعض المفسرين في هذه الآية، وذكره بعضهم في الآية الأولى كما حكيناه عن ابن عباس. فأما العشيرة، فهم الأقارب الأدنون. وروى أبو بكر عن عاصم: {وعشيراتُكم} على الجمع. قال أبو علي: وجهه أن كل واحد من المخاطَبين له عشيرة، فاذا جمعت قلت: عشيراتكم؛ وحجة من افرد: أن العشيرة واقعة على الجمع، فاستغنى بذلك عن جمعها. وقال الأخفش: لا تكاد العرب تجمع عشيرة: عشيرات، إنما يجمعونها على عشائر. والاقتراف بمعنى الاكتساب. والتربص: الانتظار.
وفي قوله: {حتى يأتيَ الله بأمره} قولان:
أحدهما: أنه فتح مكة، قاله مجاهد، والأكثرون. ومعنى الآية: إن كان المُقام في أهاليكم، وكانت الأموال التي اكتسبتموها {وتجارةٌ تخشون كسادها} لفراقكم بلدكم {ومساكنُ ترضونها أحبَّ إليكم} من الهجرة، فأقيموا غير مُثابين حتى تُفتح مكة، فيسقط فرض الهجرة.
والثاني: أنه العقاب، قاله الحسن.


قوله تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} أي: في أماكن. قال الفراء: وكل جمع كانت فيه ألف قبلها حرفان وبعدها حرفان لم يُجْرَ، مثل صوامع، ومساجد. وجُريَ {حنين} لأنه اسم لمذكَّر، وهو وادٍ بين مكة والطائف، وإذا سمَّيتَ ماءً أو وادياً أو جبلاً باسم مذكَّر لا علَّة فيه، أجريته، من ذلك: حنين، وبدر، وحِراء، وثَبِير، ودابِق. ومعنى الآية: أن الله عز وجل أعلمهم أنهم إنما يغلبون بنصر الله لا بكثرتهم. وفي عددهم يوم حنين أربعة أقوال.
أحدها: أنهم كانوا ستة عشر ألفاً، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثاني: عشرة آلاف، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: كانوا اثني عشر ألفاً، قاله قتادة، وابن زيد، وابن إسحاق، والواقدي.
والرابع: أحد عشر ألفا وخمسمائة، قاله مقاتل. قال ابن عباس: فقال ذلك اليوم سلمة بن سلامة بن وقش، وقد عجب لكثرة الناس: لن نُغلَب اليوم من قِلَّة، فساء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كلامُه، ووُكلِوا إلى كلمة الرجل، فذلك قوله: {إذ أعجبتكم كثرتكم فلن تغن عنكم شيئاً} وقال سعيد بن المسيب: القائل لذلك: أبو بكر الصديق. وحكى ابن جرير أن القائل لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: بل العباس. وقيل: رجل من بني بكر.
قوله تعالى: {وضاقت عليكم الأرض بما رحبت} أي: برحبها. قال الفراء: والباء هاهنا بمنزلة في كما تقول: ضاقت عليكم الأرض في رحبها وبرحبها.
الإشارة إلى القصة قال أهل العلم بالسيرة، لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، تآمر عليه أشراف هوازن وثقيف، فجاؤوا حتى نزلوا أوطاس، وأجمعوا المسير إليه، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما التقَوا أعجبتهم كثرتُهم فهُزموا.
وقال البراء بن عازب: لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم، فأقبلوا بالسهام، فانكشف المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعضهم يقول: ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ جماعة من أصحابه منهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، والعباس، وأبو سفيان بن الحارث.
وبعضهم يقول: لم يبق معه سوى العباس وأبي سفيان، فجعل النبي يقول للعباس: «نادِ: يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة» فنادى، وكان صيِّتاً، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنَّت إلى أولادها، يقولون: يا لبيك، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتالهم، فقال: «الآن حمي الوطيس، أنا النبي لا كذب، انا ابن عبد المطلب» ثم قال للعباس: «ناولني حَصَيات» فناوله، فقال: «شاهت الوجوه» ورمى بها، وقال: «انهزموا وربِّ الكعبة» فقذف الله في قلوبهم الرعب فانهزموا. وقيل: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاً من تراب، فرماهم به فانهزموا. وكانوا يقولون: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه بالتراب.


قوله تعالى: {ثم أنزل الله سكينته} أي: بعد الهزيمة. قال أبو عبيدة: هي فَعِليةٌ من السكون، وأنشد:
لِلّهِ قَبْرٌ غَالَها ماذا يُجِنُّ *** لقد أَجَنَّ سكينةً وَوَقارا
وكذلك قال المفسرون: الأمن والطمأنينة.
قوله تعالى: {وأنزل جنوداً لم تروها} قال ابن عباس: يعني: الملائكة. وفي عددهم يومئذ ثلاثة أقوال.
أحدها: ستة عشر ألفاً، قاله الحسن. والثاني: خمسة آلاف، قاله سعيد ابن جبير. والثالث: ثمانية، قاله مجاهد، يعني: ثمانية آلاف. وهل قاتلت الملائكة يومئذ، أم لا؟ فيه قولان.
وفي قوله: {وعذَّب الذين كفروا} أربعة أقوال.
أحدها: بالقتل، قاله ابن عباس، والسدي.
والثاني: بالقتل والهزيمة، قاله ابن أبزى، ومقاتل.
والثالث: بالخوف والحذر ذكره الماوردي.
والرابع: بالقتل، والأسر، وسبي الأولاد، وأخذ الأموال، ذكره بعض ناقلي التفسير.
قوله تعالى: {ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء} أي: يوفِّقه للتوبة من الشرك.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9